روائع مختارة | روضة الدعاة | فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) | اقرأ بإســـم ربك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  اقرأ بإســـم ربك
     عدد مرات المشاهدة: 3320        عدد مرات الإرسال: 0

قيد الجاهلية ثقيل الوطأة، مليء بأنين المعذبين، المثخنة قلوبهم بالجراح الدامية، هنا في مكة، كما في كل بقاع الأرض، قلوب سوداء، ونفوس ماكرة، وضمائر لا أثر فيها لملامح الإنسانية التي تتراحم وتتعاطف وتتساوى في شرعها الحقوق البشرية.

وفي أزقتها أكواخ يئن ساكنوها تحت نير ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، عبيد وإماء، ضعفاء وفقراء، رجال ونساء، استرقّوا رغم أنوفهم فهنا كما في كل بقاع الارض، القوي يأكل الضعيف والقول المسموع قول أرباب المال والجاه، والحكم الساري هو حكم السيد على العبيد، لاضوابط ولا قوانين، لارحمة ولا رقيب ولا حسيب.

هنا وعلى الأرض التي أرادها ربها موطناً لخليفته الإنسان، نسي الإنسان غاية خلقه وتنكر لصفاته الطيبة وإستبدلها برداء أسبغه على نفسه الأمّارة، رداء ظاهره كباطنه، بشع وقاس وأناني وجبّار.

وأقام لنفسه منهجاً لا منطق يحكمه، ولا رادع يردعه عن غيه، فرعنة وجهل، وإستعلاء وشرك، أنفاس بريئة لم تعانق الحياة بعد، تخمد بدم بارد، وأجساد رقيقة لم تعرف بعد ملمس الغطاء الدافيء، تدسّ في التراب وفق قانون جاهلي يعتبر الأنثى عار لا يمحوه إلاّ الوأد، دون إعتبار لدمعة الأم الثكلى، وقلبها الوالدي يتمزق ألف قطعة، وهي ترى ما حملته كرها ووضعته كرها ينتزع منها ويدفن حيّا في التراب.

أيها الجهل متى ستطرد شمس الرحمة جحافلك البليدة، إصغي أيتها القلوب المعذبة، فقريباً ستتنزل الكلمات الخالدة لتجعل كل هذا الضنك والعنت والجبروت ماض كئيب مرفوض ومحرّم.

وها هو أوان نبي الأمة ورسول الرحمة يؤذن بالقدوم، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، يتميز بما فطره عليه ربه سبحانه من الأمانة والصدق، والجود والعطف يحبه ويجله كل من عامله وجالسه وتختاره خديجة بنت خويلد سيدة نساء مكة ليتاجر بمالها.

وترى فيه الأمانة والبركة وتحس بروعة خلقه، وجميل صنائعه، وطيب سيرته، فلا تلبث أن تختاره زوجاً، وما ندمت أبداً بل ازدادت شرفاً وكرامة.

وتتوق النفس الزكية إلى الإرتقاء وتشتاق الروح المؤهلة لخطاب السماء للمزيد من النقاء، وتبدأ رحلة حراء التعبدية الجميلة، وتبدأ الؤى الصادقة كفلق الصبح، ويحين أوان إندحار الجهل وتبدد ظلامه، ويشاء الله لهذه الأرض خيرا، فينظر إلى خلقه الضعاف بعين الرحمة الربانية الكريمة.

فينزل الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم ويتنزّل الوحي الكريم عليه في ليلة القدر، والتي هي خير من ألف شهر برسالة الإسلام الخالدة القائمة على توحيد الخالق المعبود، مبدوءة بكلمة هي الرقيّ والسموّ والإنطلاق الحر المحلق في آفاق العلم الرحيبة، النافية لخبث الجهل وظلمة الخرافة، والإستعباد لروح الإنسان وجسده، في أمر واضح للبشرية أن القي عنك رداء الجاهلية بكل ألوانه، واشكاله، وقوانينه، وإستمعِ لقول ربك المنزل على الصادق الأمين {إقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*إقرأ وربك الأكرم*الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان مالم يعلم} [العلق:1-5].

أيها الإنسان المكرّم المتميز بالعقل والحكمة، اقرأ وإبحث وإستمع لربك الذي خلق البشرية من أصل واحد، ولا رب لها سواه، ولا مدرك لما فيه خيرها سواه ولا متصرّف بأمرها إلّاه، أيتها العقول التي إنغلقت على آثار الآباء الدارسين، وقوانينهم البائدة، فلم يعد لها صوت يسمع ولا حوار منطقي مبني على أساس، والقلوب التي طال عليها الأمد فقست وأمعنت في التحجر والطغيان.

هاهو باب التغيير والتحضر والإرتقاء يفتح أمامك فلا ترتدي عنه رافضة للخير المتدفق منه، وهاهو الصادق الأمين يتلقى الكلمات الصادقة برعب وإرتعاد، إنها لأمانة ثقيلة جعلته يهرع إلى خديجة الحكيمة الطيبة،الودود الأليفة زملوني دثروني.

وتتلقى الزوجة المحبة الفخورة بزوجها، ما ألقاه إليها من خبر السماء، وتدرك أنه خير عظيم، فمحمد الصادق الامين، المعطاء الكريم، يعين الكل ويواسي الكليم، ويسعى على كل ذي حاجة ويرد لهفة الملهوف، ويطعم الجائع ويحمي الضعيف، فليس للشيطان عليه من سبيل -كلّا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم،وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

وإنها والله لصفات ينبغي ان تكون إصيلة في كل من أراد الإصلاح وسعى إلى خير الخلق ومصالحهم.

إنها أخلاق الأنبياء يرثها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل داعية خير وساع إليه، ليكون حقاً وريث محمد صلى الله عليه وسلم، لقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، وتعاهده بطيب الأخلاق وأحسنها وأعظمها ليكون أهلاً لحمل أمانة فيها النجاة للبشرية من مهالك الشرك، وأدران الجاهلية وربقة الضلال.

ياورقة بن نوفل ماذا لديك لتقول في هذا وأنت صاحب العلم والمعرفة بكتب الأولين، يا ابن العم ما تقول فيما رآه وسمعه محمد في غار حراء، ويسأل الشيخ محمداً عمّا رآه وسمعه صلّى الله عليه وسلم، فيخبره بما رأى وسمع فيقول ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، ياليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك.

ويتساءل الصادق الأمين الذي التقت على حبه وإحترامه والرضى بحكمه والثقة به كل قلوب أهل مكة «او مخرجيّ هم؟» قال نعم، لم يات رجل قط بمثل ماجئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا.

يامن سبّح الحصى في كفيك، وحجارة مكة قد سلّمت عليك، ألف ألف صلاة وسلام من اللّه عليك، لقد حمّلت أمانة ثقيلة لا ترجو من ورائها مال ولا منفعة شخصية، أمانة إخراج الخلق من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، من الظلمات إلى النور، لتقرّ في البشرية منهج الحرية والمساواة والتفاضل بالتقوى والعمل الصالح.

هذه هي الرسالة تلقى إليك، وهي وإن كانت تحمل الخير كله للناس جميعاً إلا أنها تحمل لأولئك الطغاة المتألّهين إيذاناً بزوال ظلمهم وتحرير النفوس المستعبدة لديهم دون أدنى شعور بآدميتهم، وهم لذلك سيقدمون على كل ما يستطيعونه للإبقاء على مكاسبهم، والحفاظ على هيبتهم القائمة على الغي والطغيان وسيخرجوك من بيتك وأرضك وإنّك لعلى الحق المبين.

الكاتب: رقية القضاة.

المصدر: موقع ياله من دين.